فصل: بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ:

(قَالَ): رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، أَوْ وَاحِدَةً بَائِنَةً، ثُمَّ مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ فِي الْقِيَاسِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقَاوِيلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَرِثُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُنَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا تَرِثُ مِنْهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بِزَوْجٍ آخَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ، فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ، وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ انْتِهَاءُ النِّكَاحِ بِالْمَوْتِ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِارْتِفَاعِهِ بِالتَّطْلِيقَاتِ، وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ السَّبَبِ كَمَا لَوْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ وَلِأَنَّ الْمِيرَاثَ يُسْتَحَقُّ بِالنَّسَبِ تَارَةً وَبِالزَّوْجِيَّةِ أُخْرَى، وَلَوْ انْقَطَعَ النَّسَبُ لَا يَبْقَى اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي صِحَّتِهِ، أَوْ فِي مَرَضِهِ فَكَذَلِكَ إذَا انْقَطَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ، وَلَكِنَّا اسْتَحْسَنَّا؛ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَقَدْ رَوَى إبْرَاهِيمُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: جَاءَ عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ إلَى شُرَيْحٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِخَمْسِ خِصَالٍ، مِنْهُنَّ إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَرِثَتْهُ إذَا مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ أُمَّ الْبَنِينَ بِنْتَ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيّ كَانَتْ تَحْتَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَفَارَقَهَا بَعْدَ مَا حُوصِرَ، فَجَاءَتْ إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ، وَأَخْبَرْته بِذَلِكَ، فَقَالَ: تَرَكَهَا حَتَّى إذَا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ فَارَقَهَا، وَوَرَّثَهَا مِنْهُ، وَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تُمَاضِرَ آخِرَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ فِي مَرَضِهِ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ: مَا اتَّهَمْتُهُ، وَلَكِنِّي أَرَدْت السُّنَّةَ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةَ الْفَارِّ تَرِثُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا تَرِثُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَقُولُونَ: مَنْ فَرَّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى رُدَّ إلَيْهِ يَعْنِي هَذَا الْحُكْمَ، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَإِنْ قِيلَ: لَا إجْمَاعَ هُنَا، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ تُمَاضِرَ: لَوْ كَانَ الْأَمْرُ إلَيَّ لَمَا وَرَّثْتُهَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا طَلَّقْتهَا ضِرَارًا وَلَا فِرَارًا، قُلْنَا: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا وَرَّثْتهَا، أَيْ؛ لِجَهْلِي بِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فَمَعْنَى قَوْلِهَا: مَا وَرَّثَهَا؛ لِأَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، وَبِهِ نَقُولُ، وَلَكِنَّ تَوْرِيثَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إيَّاهَا بَعْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُوَرِّثُهَا قَبْلَهُ، وَقَدْ قِيلَ: مَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ وَلَكِنَّهُ قَالَ لَهَا: إذَا طَهُرْتِ فَآذِنِينِي، فَلَمَّا طَهُرَتْ آذَنَتْهُ، وَبِهَذَا لَا يَسْقُطُ مِيرَاثُهَا، وَابْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُنْكِرْ التَّوْرِيثَ إنَّمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ تُهْمَةَ الْفِرَارِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَادَهُ، فَقَالَ: لَوْ مِتَّ وَرَّثْتُهَا مِنْك، فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ ذَلِكَ مَا طَلَّقْتُهَا ضِرَارًا وَلَا فِرَارًا، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا عَنْ الْمِيرَاثِ بِقَوْلِهِ: فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ كَمَا لَوْ وَهَبَ جَمِيعَ مَالِهِ مِنْ إنْسَانٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِمَرَضِ الْمَوْتِ تَعَلَّقَ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ؛ وَلِهَذَا يُمْنَعُ عَنْ التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، ثُمَّ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ بِالسَّبَبِ، وَالْمَحَلِّ.
فَإِذَا كَانَ تَصَرُّفُهُ فِي الْمَحَلِّ يُجْعَلُ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا؛ إبْقَاءً لِحَقِّ الْوَارِثِ، فَتَصَرُّفُهُ بِالسَّبَبِ بِالرَّفْعِ يُجْعَلُ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا، بَلْ، أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ دُونَ الْمَحَلِّ، وَإِذَا صَارَ كَالْمُضَافِ، كَانَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا قَائِمًا عِنْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إنَّ عِدَّتَهَا فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ لَا تَنْقَضِي حَتَّى إنَّ لَهَا الْمِيرَاثَ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَإِذَا تَزَوَّجَتْ فَهِيَ الَّتِي رَضِيَتْ بِسُقُوطِ حَقِّهَا، وَلَهَا ذَلِكَ كَمَا لَوْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ حُكْمِيٌّ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَلَا يَبْقَى مَعَهُ النِّكَاحُ حُكْمًا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْ، وَهُوَ نَظِيرُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الَّتِي انْقَطَعَ دَمُهَا فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ يُجْعَلُ كَأَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي الْحُكْمِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ مِنْ بَقَاءِ الْمِيرَاثِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَرِثُ مِنْ زَوْجَيْنِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ، وَمَا قَالَهُ يُؤَدِّي إلَى هَذَا، ثُمَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَكُونُ مُسْقِطًا حَقَّهَا بِعِوَضٍ، فَإِنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ فَتَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ الْمَرِيضِ كَمَا لَوْ بَاعَ مَالَهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ، فَأَمَّا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ يَكُونُ هَذَا إبْطَالًا لِحَقِّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّزَوُّجِ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّسَبِ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، إنَّمَا يَنْقَطِعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِاللِّعَانِ، وَذَلِكَ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ، ثُمَّ النَّسَبُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَنْقَطِعُ، وَلَكِنْ يَتَبَيَّنُ بِنَفْيِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِهِ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَيْسَ بِقَوِيٍّ، فَإِنَّ بَعْدَ ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ إمَّا بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ، أَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ يَتَعَذَّرُ إبْقَاءُ النِّكَاحِ حُكْمًا، وَلَكِنْ يُجْعَلُ بَقَاءُ الْعِدَّةِ الَّتِي هِيَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ كَبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي حُكْمِ التَّوْرِيثِ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا تَرِثُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَلَكِنَّ هَذَا فِي إبْقَاءِ مَا كَانَ ثَابِتًا لَا فِي إثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا حَتَّى لَوْ كَانَ صَحِيحًا حِينَ طَلَّقَهَا لَمْ تَرِثْ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَقَمْنَا الْعِدَّةَ مَقَامَ النِّكَاحِ؛ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهَا، فَإِذَا كَانَ الطَّلَاقُ بِسُؤَالِهَا فَقَدْ رَضِيَتْ هِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ.
(قَالَ)، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً، أَوْ كِتَابِيَّةً حِينَ أَبَانَهَا فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ وَأَسْلَمَتْ الْكِتَابِيَّةُ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ، وَإِنْ مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَارًّا مِنْ مِيرَاثِهَا يَوْمَ طَلَّقَ إذْ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهَا بِمَالِهِ فِي الْمَرَضِ، فَلَوْ وَرِثَتْ كَانَ فِيهِ إقَامَةُ الْعِدَّةِ مَقَامَ النِّكَاحِ فِي ابْتِدَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالرَّأْيِ.
(قَالَ): وَلَوْ طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ عِنْدَ الْمَوْتِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَرِثَهُ الْآخَرُ؛ لِانْتِهَاءِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا بِالْمَوْتِ، وَإِذَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، ثُمَّ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَرَضِ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: تَرِثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْفِرَارِ حِينَ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ؛ وَلِأَنَّ حَقَّهَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ عِنْدَ الطَّلَاقِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا تَخَلَّى بَيْنَهُمَا، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ فِي مَرَضِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: حَقُّهَا إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ بِمَرَضِ الْمَوْتِ، وَمَرَضُ الْمَوْتِ مَا يَتَّصِلُ بِهِ الْمَوْتُ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، وَكُلُّ مَرَضٍ يُعْقِبُهُ بُرْءٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَالَةِ الصِّحَّةِ فَكَأَنَّهُ طَلَّقَهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ.
وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي مَاتَتْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْوُجُوهِ لَمْ يَرِثْهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ السَّبَبَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي مَالِهَا فِي حَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ؛ لِيَبْقَى ذَلِكَ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ فُصُولٍ أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا أَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَهَا بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي أَنْ يُعَلِّقَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، وَالثَّالِثُ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ، وَالرَّابِعُ بِفِعْلِهَا، وَكُلُّ فَصْلٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّعْلِيقُ، وَالْوُقُوعُ فِي الْمَرَضِ، أَوْ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، وَالْوُقُوعُ فِي الْمَرَضِ أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا إذَا عَلَّقَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَقَالَ: إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ فَلَهَا الْمِيرَاثُ إذَا مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ.
أَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ، وَالْوُقُوعُ فِي الْمَرَضِ فَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْفِرَارِ، وَالْقَصْدِ إلَى إبْطَالِ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، وَالْوُقُوعُ فِي الْمَرَضِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَى الشَّرْطِ فِي الْمَرَضِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ التَّطْلِيقَاتِ عِنْدَهُ تَقَعُ فَقَدْ صَارَ قَاصِدًا إلَى إبْطَالِ حَقِّهَا فَيُجْعَلُ ذَلِكَ كَتَنْجِيزِ الطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الشَّرْطُ فِعْلًا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، أَوْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْفِعْلِ بُدٌّ فَقَدْ كَانَ لَهُ مِنْ التَّعْلِيقِ أَلْفُ بُدٍّ.
فَأَمَّا إذَا عَلَّقَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ إبْطَالَ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ فَهَذَا وَالتَّنْجِيزُ فِي حَقِّهِ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ الْأَجْنَبِيُّ فِي مَرَضِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ مِنْ الْمُعَلَّقِ فَيَصِيرُ عِنْدَ فِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ كَأَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَهُوَ مَرِيضٌ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ قَصْدُ الْفِرَارِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَلَّقَ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِ صُنْعٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إبْطَالِ التَّعْلِيقِ وَلَا عَلَى مَنْعِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ إيجَادِ الشَّرْطِ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ بِأَنْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ، فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ؛ لِوُجُودِ قَصْدِهِ إلَى إبْطَالِ حَقِّهَا بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ بِمَالِهِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، ثُمَّ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، وَهُوَ مَرِيضٌ لَمْ تَرِثْهُ عِنْدَنَا؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: تَرِثُهُ، وَهَذَا، وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا غَدًا، ثُمَّ مَرِضَ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ فَأَمَّا إذَا عَلَّقَ بِفِعْلِهَا، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ، وَالْفِعْلُ فِعْلٌ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ كَدُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ أَجْنَبِيٍّ فَفَعَلَتْ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أَقْدَمَتْ عَلَى إيجَادِ الشَّرْطِ مَعَ اسْتِغْنَائِهَا عَنْهُ فَقَدْ صَارَتْ رَاضِيَةً بِسُقُوطِ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِعْلًا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ أَحَدٍ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ إذَا مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى إيجَادِ هَذَا الشَّرْطِ؛ فَلَا تَصِيرُ بِالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ رَاضِيَةً بِسُقُوطِ حَقِّهَا مِنْ مَالِهِ، وَتُقَاضِي دَيْنَهَا مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ، إذَا كَانَتْ تَخَافُ فَوْتَ حَقِّهَا بِتَرْكِ التَّقَاضِي، فَأَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فَفَعَلَتْ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْ الْفِعْلِ بُدٌّ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهَا لَا تَرِثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ الْفِعْلِ بُدٌّ فَلَهَا الْمِيرَاثَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا مِيرَاثَ لَهَا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي مَالِهِ حَقٌّ؛ فَلَا يُتَّهَمُ بِقَصْدِهِ الْفِرَارَ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ صُنْعٌ، وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَنْعَدِمَ رِضَاهَا، أَوْ فِعْلُهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا تَجِدُ مِنْهُ بُدًّا؛ فَيَكُونَ هَذَا كَالتَّعْلِيقِ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ بِمَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ لَا تَرِثُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَهُمَا يَقُولَانِ: هِيَ مُضْطَرَّةٌ إلَى الْإِقْدَامِ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ؛ فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تُقْدِمْ تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا، أَوْ تَخَافُ الْعُقُوبَةَ، وَإِنْ أَقْدَمَتْ سَقَطَ حَقُّهَا فَكَانَتْ مُضْطَرَّةً مُلْجَأَةً، وَهُوَ الَّذِي أَلْجَأَهَا إلَى ذَلِكَ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُلْجَأَ يَصِيرُ آلَةً لِلْمُلْجِئِ، وَالْفِعْلُ فِي الْحُكْمِ الْمَوْجُودِ مِنْ الْمُلْجِئِ كَالْمُكْرَهِ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ فَبِهَذَا الْمَعْنَى تَصِيرُ كَأَنَّ الْفِعْلَ وُجِدَ مِنْ الزَّوْجِ حُكْمًا فَلَهَا الْمِيرَاثُ.
(قَالَ): وَإِذَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ فِي مَرَضِهِ، فَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ إذَا مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْإِيلَاءِ فِي صِحَّتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي الْمَعْنَى يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَلَمْ أَقْرَبِك فِيهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي التَّعْلِيقِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ، فَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا، فَكَذَلِكَ فِي الْإِيلَاءِ، وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ شِئْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَشَاءَتْ، أَوْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَرِثْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِسُقُوطِ حَقِّهَا فَكَأَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ.
(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لَهَا، وَهُوَ مَرِيضٌ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَجَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ آلَى مِنْهَا، وَهُوَ مَرِيضٌ وَتَمَّتْ الْمُدَّةُ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ فَكَأَنَّهُ نَجَّزَ طَلَاقَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ: إذَا مَرِضْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَرِضَ وَمَاتَ وَرِثَتْهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ، وَلَمَّا جَعَلَ الشَّرْطَ مَرَضَهُ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ بِمَرَضِهِ يَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ فَقَدْ قَصَدَ الْفِرَارَ، وَكَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ يَقُولُ: لَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَيْهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ هُوَ لَا يَكُونُ صَاحِبَ فِرَاشِ، وَالْمَرِيضُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْوَارِثِ بِمَالِهِ مَا يُضْنِيه وَيَجْعَلُهُ صَاحِبَ فِرَاشٍ، وَإِنْ قَالَ فِي مَرَضِهِ: قَدْ كُنْتُ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فِي صِحَّتِي وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا سَاعَةَ أَقَرَّ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِالْفِرَارِ بِهَذَا الْإِقْرَارِ، كَمَا يَكُون مُتَّهَمًا بِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِسْنَادِ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْشَأَ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَسْقُطْ مِيرَاثُهَا؛ فَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ فِي حَقِّهَا.
(قَالَ): وَإِنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ قَدْ جَامَعَ أُمَّ امْرَأَتِهِ فِي الصِّحَّةِ، أَوْ أَنَّ بَيْنَهُمَا رَضَاعًا، أَوْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ فِي عِدَّةِ مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا قَبْلَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي إبْطَالِ مِيرَاثِهَا؛ لِكَوْنِهِ مُتَّهَمًا فِي ذَلِكَ، وَيُجْعَلُ هَذَا كَإِنْشَاءِ سَبَبِ الْفُرْقَةِ مِنْهُ (قَالَ): وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ: إذَا صَحَحْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَا مِيرَاثَ لَهَا إنْ مَرِضَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَاتَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ؛ فَلَا يَكُونُ هُوَ قَاصِدًا الْفِرَارَ.
(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ أُقْتَلَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ مِنْ مَرَضِ كَذَا، وَكَذَا بِشَهْرٍ فَمَاتَ مِمَّا قَالَ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ، أَوْ بَعْدَهُ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ مَا عُرِفَ الْوَقْتُ بِهِ لَيْسَ بِكَائِنٍ لَا مَحَالَةَ فَصَارَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ بِمَنْزِلَةِ قُدُومِ فُلَانٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ، لَوَقَعَ بَعْدَهُ، وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ مَا قُتِلَ؛ فَلِهَذَا لَا تَطْلُقُ، وَلَهَا الْمِيرَاثَ فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ، أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ فَمَاتَ بَعْدَ مُضِيِّ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي قَالَهُ فَجْأَةً، أَوْ مَرِضَ، ثُمَّ مَاتَ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ مَوْتِهِ كَمَا قَالَ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ وَعِنْدَهُمَا لَا تَطْلُقُ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَهُمَا الْمَوْتُ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ مُعَرِّفٌ لِلْوَقْتِ، فَإِنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَكِنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي بِمَا دُونَ الشَّهْرَيْنِ، فَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ وَيَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يُشْرِفْ عَلَى الْمَوْتِ وَيَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ.
وَإِنْ كَانَ قَالَ: قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرَيْنِ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرَيْنِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي أَضَافَ إلَيْهِ الطَّلَاقَ يُوجَدُ بَعْدَ كَلَامِهِ، وَإِنْ عَاشَ مِثْلَ مَا سَمَّى، أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ مَاتَ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِمَا سَمَّى، وَلَا مِيرَاث لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ تَنْقَضِيَ فِي شَهْرَيْنِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ وَقْتَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مَرِيضًا، إذَا كَانَ الْكَلَامُ فِي الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، أَوْ آيِسَةً فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ مِنْ الْوَقْتِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، أَوْ أَكْثَرَ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ وَقَّتَ سَنَةً، وَلَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْمَوْتُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ فَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَوَقَعَ بَعْدَهُ (قَالَ): وَإِذَا قَالَ لَهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتَى بِشَهْرٍ، ثُمَّ مَاتَ فَجْأَةً بِغَيْرِ مَرَضٍ فَلَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَوْتَ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ فَيَصِيرُ بِهِ فَارًّا مِنْ مِيرَاثِهَا، وَإِنْ اسْتَنَدَ الْوُقُوعُ إلَى حَالَةِ الصِّحَّةِ إذَا مَاتَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
(قَالَ): وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً بَائِنَةً، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَعَلَيْهَا عِدَّةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِاعْتِبَارِ أَنَّ الدُّخُولَ السَّابِقَ عَلَى الْعَقْدِ الثَّانِي يُجْعَلُ كَالْمَوْجُودِ بَعْدَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فَلَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا، وَالْمِيرَاثُ، وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ مَادَامَ فِي الْعِدَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ الْأَوَّلُ فِي الصِّحَّةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ، وَتُتِمُّ بَقِيَّةَ عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي حَصَلَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْمِيرَاثِ، وَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ عِنْد مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلْزِمْهَا الْعِدَّةَ بِالطَّلَاقِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَحُكْمُ الْفِرَارِ لَا يَثْبُتُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ.
(قَالَ): وَإِذَا اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا مِنْ زَوْجِهَا فِي مَرَضِهِ، أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بِفِعْلِهَا إمَّا بِقَبُولِهَا الْبَدَلَ، أَوْ بِإِيقَاعِهَا الطَّلَاقَ عَلَى نَفْسِهَا، وَهَذَا أَبْيَنُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا مِنْ سُؤَالِ الطَّلَاقِ (قَالَ): وَإِذَا قَالَ الْمَرِيضُ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ثَلَاثًا، وَقَالَ الْمَوْلَى لَهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا فَجَاءَ الْغَدُ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ مَعًا، وَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَقْصِدْ الْفِرَارَ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ يَوْمئِذٍ؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْعَتَاقَ يَقَعَانِ مَعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُضَافٌ إلَى الْغَدِ، ثُمَّ الْعِتْقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ رَقِيقَةٌ فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ يُصَادِفُهَا وَهِيَ رَقِيقَةٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَوْلَى تَكَلَّمَ بِالْعِتْقِ قَبْلَ كَلَامِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَلْزَمْهُ بِقَوْلِ الْمَوْلَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَلَا تُعْتَقُ غَدًا فَلَا يَصِيرُ الزَّوْجُ فَارًّا؛ وَلِأَنَّ الْوُقُوعَ يُصَادِفُهَا وَهِيَ رَقِيقَةٌ، فَلَوْ ثَبَتَ حَقُّهَا فِي مَالِهِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْعِتْقِ.
(قَالَ): وَإِذَا قَالَ: إذَا أُعْتِقْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ فَارًّا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ هُنَا إنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَبَعْدَ مَا يَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِمَالِهِ فَقَدْ قَصَدَ إسْقَاطَ حَقِّهَا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ.
(قَالَ): وَإِنْ قَالَ لَهَا الْمَوْلَى: أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا، وَقَالَ الزَّوْجُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ الْغَدِ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِمَقَالَةِ الْمَوْلَى فَهُوَ فَارٌّ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَلَيْسَ بِفَارٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي مَالِهِ حِينَ عَلَّقَ الزَّوْجُ؛ لِكَوْنِهَا رَقِيقَةً، وَلَكِنَّهُ إذَا أَضَافَ إلَى وَقْتٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا تَكُونُ حُرَّةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِنَّ حَقَّهَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ فَقَدْ قَصَدَ إبْطَالَ حَقِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا إسْقَاطَ حَقِّهَا فَلِهَذَا لَا تَرِثُهُ.
وَإِنْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ ثَلَاثًا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِالْعِتْقِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا حِينَ عَتَقَتْ، وَالزَّوْجُ مَرِيضٌ فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّهَا فِي مَالِهِ، فَلَوْ سَقَطَ إنَّمَا يَسْقُطُ بِإِيقَاعِهِ الثَّلَاثَ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْقِطٍ لِمِيرَاثِهَا مَادَامَ فِي الْعِدَّةِ، وَجَهْلُ الزَّوْجِ بِالْعِتْقِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِ الزَّوْجِ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ غَدٍ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا حَقَّ لَهَا فِي مَالَهُ حِينَ تَكَلَّمَ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَجَّزَ طَلَاقَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ تَرِثْ، فَلَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ مُسْقِطًا حَقًّا ثَابِتًا لَهَا، وَلَكِنْ إذَا كَانَ عَالِمًا بِمَقَالَةِ الْمَوْلَى فَقَدْ أَضَافَ الطَّلَاق إلَى وَقْتِ يَعْلَمُ حُرِّيَّتَهَا فِيهِ، فَكَانَ ذَلِكَ قَصْدًا مِنْهُ الْإِضْرَارَ بِهَا فَيُرَدُّ عَلَيْهِ قَصْدُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَقَالَةِ الْمَوْلَى فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْقَصْدُ إلَى إضْرَارِهَا فَلَا يَكُونُ فَارًّا لِهَذَا.
(قَالَ): وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً كِتَابِيَّةً، فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا غَدًا، ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الْغَدِ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ، لَوْ نَجَّزَ الثَّلَاثَ لَمْ تَرِثْ، وَلَمْ يَقْصِدْ الْإِضْرَارَ بِهَا بِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا تُسْلِمُ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا.
(قَالَ): وَإِذَا قَالَ لَهَا: إذَا أَسْلَمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ فَارًّا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْإِضْرَارَ بِهَا حِينَ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتِ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَا لَهُ، وَهُوَ مَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا نَظِيرُ مَا سَبَقَ إذَا قَالَ الصَّحِيحُ لِامْرَأَتِهِ إذَا جَاءَ: رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ مَرِضَ قَبْلَ مَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ لَمْ يَكُنْ فَارًّا، وَلَوْ قَالَ: إذَا مَرِضْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا كَانَ فَارًّا، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِسْلَامِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ كَانَ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَجَهْلُ الزَّوْجِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ بِمَالِهِ.
(قَالَ): وَإِذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَةُ الْكَافِرِ، ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَهُوَ مَرِيضٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ، أَوْقَعَ الثَّلَاثَ قَبْلَ إسْلَامِهِ فَهُوَ غَيْرُ فَارٍّ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِيرَاثٌ مِنْهُ، فَإِنَّ اخْتِلَافَ الدِّينِ يَمْنَعُ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ أَسْلَمَ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِإِسْلَامِهَا، أَوْ لَا يَعْلَمُ، فَإِنَّ هُنَاكَ إنَّمَا، أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِمَالِهِ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ عَتَقَ وَأَصَابَ مَالًا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَارًّا حِينَ طَلَّقَ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْتِقُ، وَإِذَا قَالَ: إذَا أُعْتِقْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَهُوَ فَارٌّ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِ قَاصِدٌ الْإِضْرَارَ بِهَا.
(قَالَ): وَلَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَمَةً، فَقَالَ لَهَا فِي مَرَضِهِ: إذَا عَتَقْتُ أَنَا وَأَنْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ أُعْتِقَا جَمِيعًا فَلَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِإِضَافَتِهِ الطَّلَاقَ إلَى مَا بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ثَلَاثًا، ثُمَّ أُعْتِقَا الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِيرَاثٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مِيرَاثِهِ، وَمَا كَانَ يَدْرِي أَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ، فَلَا يَكُونُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ قَاصِدًا الْإِضْرَارَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا الْمَوْلَى: أَنْتُمَا حُرَّانِ غَدًا، وَقَالَ الزَّوْجُ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا غَدًا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِهَذَا اللَّفْظِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمُ التَّوْرِيثِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ حُكْمَ التَّوْرِيثِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ يَقْتَرِنُ بِالْعِتْقِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ.
(قَالَ): وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْدَ الْغَدِ فِي الْقِيَاسِ لَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَجَّزَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَوَارُثٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِعِتْقِهِمَا بَعْدَ الْغَدِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَبِيعَهُمَا قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: إذَا كَانَ يَعْلَمُ بِمَقَالَةِ الْمَوْلَى فَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَعْدَ مَقَالَةِ الْمَوْلَى أَنَّهُمَا يُعْتَقَانِ بِمَجِيءِ الْغَدِ فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُمَا فِي مِلْكِهِ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ، فَهُوَ بِإِضَافَةِ الثَّلَاثِ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَقَالَةِ الْمَوْلَى يَكُونُ قَاصِدًا الْإِضْرَارَ بِهَا فَيَكُونُ فَارًّا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَقَالَةِ الْمَوْلَى، لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا الْإِضْرَارَ بِهَا.
(قَالَ): وَإِنْ قَالَ زَوْجُ أُمِّ الْوَلَدِ، أَوْ الْمُرْتَدَّةِ، وَهُوَ حُرٌّ مَرِيضٌ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إذَا مَضَى شَهْرٌ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ ذَلِكَ فَعَتَقَتْ، ثُمَّ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مِيرَاثٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْإِضَافَةِ لَمْ يَقْصِدْ الْإِضْرَارَ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْلَى يَمُوتُ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَعَتَقْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ يَتَحَقَّقُ أَنَّ قَصْدَهُ الْإِضْرَارَ بِهَا.
(قَالَ): وَإِذَا طَلَّقَ الْمُكَاتَبُ فِي مَرَضِهِ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَتَرَكَ وَفَاءً فَأُدِّيَتْ كِتَابَتُهُ، أَوْ أُعْتِقَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ، أَوْقَعَ الثَّلَاثَ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي كَسْبِهِ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ، وَمَا كَانَ يَدْرِي أَنَّهُ يُعْتَقُ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَوْ يَتْرُكُ وَفَاءً فَلَمْ يَكُنْ فَارًّا، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَيْنِ كِتَابَةً وَاحِدَةً، إنْ أَدَّيَا عَتَقَا، وَإِنْ عَجَزَا رُدَّا رَقِيقَيْنِ فَطَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَاتَ، وَتَرَكَ وَفَاءً فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي مَالِهِ حَقٌّ حِينَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ حَيْضَتَانِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهَا وَهِيَ أَمَةٌ وَيَرْجِعُونَ عَلَيْهَا بِمَا أَدَّى مِنْ تَرِكَةِ الْمُكَاتَبِ عَنْهَا كَمَا لَوْ كَانَ أَدَّى بِنَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ.
(قَالَ): وَإِذَا خَرَجَتْ الْأَمَةُ إلَيْنَا مُسْلِمَةً، ثُمَّ خَرَجَ زَوْجُهَا بَعْدَهَا مُسْلِمًا، وَهُوَ مَرِيضٌ فَطَلَّقَهَا، أَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا، ثُمَّ مَاتَ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بَيْنَهُمَا بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ، وَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا.
(قَالَ): وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ، ثُمَّ قُتِلَ، أَوْ مَاتَ، أَوْ لَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ، وَلَهُ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بَعْدُ فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ مِنْ يَوْمِ ارْتَدَّ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ، وَالتَّوْرِيثُ يَسْتَنِدُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِعْلُهُ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا عَنْ مِيرَاثِهِ؛ وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ مِنْ الرَّجُلِ كَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ قَتْلُهُ بِهَا، وَالنِّكَاحُ كَانَ قَائِمًا بَيْنَهُمَا يَوْمئِذٍ فَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ، وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ حَقِيقَةً بَعْدَ الرِّدَّةِ مَا لَمْ يُقْتَلْ، وَالْفُرْقَةُ مَتَى وَقَعَتْ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بِالْحِيَضِ فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ حِيَضٍ، أَوْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّوْرِيثِ إنَّمَا يَتَقَرَّرُ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الرِّدَّةِ حَيٌّ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يَرِثُ الْحَيُّ مِنْ الْمَيِّتِ لَا مِنْ الْحَيِّ؛ فَلِهَذَا يُعْتَبَرُ بَقَاءُ الْوَارِثِ وَقْتَ مَوْتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَرِثْهُ؛ فَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ قِيَامُ عِدَّتِهَا وَقْتَ مَوْتِهِ فَإِذَا انْعَدَمَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِيرَاثٌ.
(قَالَ): وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الَّتِي ارْتَدَّتْ، ثُمَّ مَاتَتْ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِرِدَّتِهَا فِي زَوَالِ مِلْكِهَا؛ وَلِهَذَا نَفَذَ تَصَرُّفُهَا فِي مَالِهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ نَفْسَهَا لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَقَّةً بِسَبَبِ الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ.
فَإِذَنْ، قَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِرِدَّتِهَا، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِهَا.
(قَالَ): وَإِذَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ، ثُمَّ مَاتَتْ، أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فِي الْقِيَاسِ لَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ مِنْهَا، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ فِي جَانِبِ الزَّوْج، وَتَوْرِيثُ الْبَاقِي مِنْ الْمَيِّتِ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْعِدَّةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَرَضِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي عِدَّتِهِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: لَهُ الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِمَالِهَا بِمَرَضِهَا فَكَانَتْ بِالرِّدَّةِ قَاصِدَةً إبْطَالَ حَقِّهِ فَارَّةً عَنْ مِيرَاثِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهَا قَصْدُهَا كَمَا فِي جَانِبِ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً حِينَ ارْتَدَّتْ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ قِيَامُ الْعِدَّةِ وَقْتَ الْمَوْتِ، وَهِيَ كَانَتْ فِي عِدَّتِهِ يَوْمَ مَاتَتْ، وَلَوْ كَانَتْ فِي نِكَاحِهِ يَوْمَ مَاتَتْ كَانَ لَهُ الْمِيرَاثُ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي عِدَّتِهِ.
(قَالَ): وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَته ثَلَاثًا، ثُمَّ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، وَمَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا بِالرِّدَّةِ صَارَتْ مُبْطِلَةً حَقَّهَا؛ لِأَنَّهَا تَخْرُجُ بِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ أَهْلًا لِلْمِيرَاثِ؛ فَلَا يَعُودُ حَقُّهَا بِالْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى ابْتِدَاءِ ثُبُوتِ الْحَقِّ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا فِي الْعِدَّةِ فَجَامَعَهَا فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ مِيرَاثُهَا؛ لِأَنَّهَا بِهَذِهِ الطَّوَاعِيَةِ لَمْ تُبْطِلْ حَقَّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِفِعْلِهَا تَأْثِيرٌ فِي الْفُرْقَةِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَدْ وَقَعَتْ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ، وَلَمْ تَخْرُجْ بِهَذَا الْفِعْلِ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَهْلًا لِلْإِرْثِ فَبَقَاءُ مِيرَاثِهَا بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْفِعْلِ فِي إسْقَاطِ الْعِدَّةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ هُنَاكَ وَقَعَتْ بِفِعْلِهَا، وَذَلِكَ مُسْقِطٌ لِمِيرَاثِهَا؛ وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّهَا بِمَالِهِ يَوْمِئِذٍ كَانَ بِسَبَبِ النِّكَاحِ، وَفِعْلُهَا مُؤَثِّرٌ فِي رَفْعِ النِّكَاحِ؛ فَلِهَذَا سَقَطَ بِهِ مِيرَاثُهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَكْرَهَهَا الِابْنُ عَلَى ذَلِكَ، وَغَلَبَ عَلَى نَفْسِهَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ يَنْعَدِمُ مِنْ جَانِبِهَا بِهَذَا السَّبَبِ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حُكْمًا؛ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُضَافًا إلَى الزَّوْجِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ الْمِيرَاثِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْفِرَارِ، وَذَلِكَ عِنْدَ إضَافَةِ الْفِعْلِ إلَى الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ أَمَرَ ابْنَهُ بِذَلِكَ كَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّهُ قَاصِدٌ إلَى إبْطَالِ حَقِّهَا حِينَ أَمَرَ ابْنَهُ أَنْ يُكْرِهَهَا عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ فَكَانَ فَارًّا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُرْتَدَّ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَبْطُلُ مِيرَاثُهَا؛
لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يُسْقِطُ حَقَّهَا، وَإِنَّمَا تَكَرَّرَ سَبَبُ الْفِرَارِ مِنْ الزَّوْجِ، وَبِهَذَا يَتَقَرَّرُ حَقُّهَا فَلَا يَسْقُطُ.
(قَالَ): وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يُسْلِمَ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي مَرَضِ الزَّوْجِ، ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا حَتَّى مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ؛ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ إذْ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْكَافِرِ؛ فَبَعْدَ التَّفْرِيقِ، أَوْلَى.
(قَالَ): وَإِذَا قَذَفَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ وَلَاعَنَهَا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفُرْقَةِ مِنْ الزَّوْجِ، وَهُوَ قَذْفُهُ إيَّاهَا بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَهِيَ لَا تَجِدُ بُدًّا مِنْ الْخُصُومَةِ لِدَفْعِ عَارِ الزِّنَا عَنْ نَفْسِهَا، فَلَا تَصِيرُ بِذَلِكَ رَاضِيَةً بِسُقُوطِ حَقِّهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِفِعْلِهَا فِي مَرَضِهِ، وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ.
(قَالَ): وَلَوْ كَانَ قَذَفَهَا فِي صِحَّتِهِ، ثُمَّ مَرِضَ فَلَاعَنَهَا، ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَهَا الْمِيرَاثُ أَيْضًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا سَبَقَ إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ فِي صِحَّتِهِ بِفِعْلٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ الْفِعْلَ فِي مَرَضِهِ.
(قَالَ): وَإِذَا فُرِّقَ بَيْنَ الْعِنِّينِ وَامْرَأَتِهِ فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ رَاضِيَةً بِسُقُوطِ حَقِّهَا حِينَ اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ، وَكَانَتْ تَجِدُ بُدًّا مِنْ هَذَا الِاخْتِيَارِ بِأَنْ تَصْبِرَ حَتَّى يَمُوتَ الزَّوْجُ فَتَتَخَلَّصَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الْمُعْتَقَةُ إذَا اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ وَهَذَا، أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ هُنَا إنَّمَا تَقَعُ بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا، وَهِيَ غَيْرُ مُضْطَرَّةٍ إلَى ذَلِكَ.
(قَالَ): وَإِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ مَعًا، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، وَمَاتَ الْآخَرُ، فَلَا مِيرَاثَ لِلْبَاقِي مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ، وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا فَإِنْ أَسْلَمَا مَعًا، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا بِالْمَوْتِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْمَرْأَةُ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ مُرْتَدًّا وَرِثَتْهُ؛ لِأَنَّ إصْرَارَهُ عَلَى الرِّدَّةِ بَعْدَ إسْلَامِهَا كَإِنْشَاءِ الرِّدَّةِ حَتَّى تُجْعَلَ هَذِهِ الْفُرْقَةُ مُضَافَةً إلَى فِعْلِ الزَّوْجِ فَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَهُمَا مُرْتَدَّانِ، وَهُوَ مَرِيضٌ، ثُمَّ أَسْلَمَا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ حَقُّهَا مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ لِرِدَّتِهَا فَلَا يَصِيرُ هُوَ فَارًّا، فَلَوْ ثَبَتَ حَقُّهَا إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ إسْلَامِهَا ابْتِدَاءً، وَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ إسْلَامِهِمَا.
(قَالَ): وَإِذَا قَالَ الْمَرِيضُ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا فِي صِحَّتِي، وَانْقَضَتْ عِدَّتُك وَصَدَّقَتْهُ بِذَلِكَ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ كَالْمُعَايَنِ، أَوْ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّهِمَا؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ فِي الْمِيرَاثِ لَهَا، وَقَدْ أَقَرَّتْ بِمَا يُسْقِطُ حَقَّهَا، فَإِنْ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ، أَوْ أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ فَهُوَ جَائِزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا يَجُوزُ لِأَجْنَبِيَّةٍ أُخْرَى الْإِقْرَارُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَالْوَصِيَّةُ مِنْ الثُّلُثِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا الْأَقَلُّ مِنْ مِيرَاثِهَا وَمِمَّا أَقَرَّ، أَوْ أَوْصَى بِهِ.
هُمَا يَقُولَانِ قَدْ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ حَتَّى أَنَّهَا لَا تَرِثُهُ، وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فِي الْحَالِ، فَإِقْرَارُهُ لَهَا كَإِقْرَارِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ أُخْرَى، وَلَوْ اُعْتُبِرَتْ التُّهْمَةُ لَاعْتُبِرَتْ فِي حَقِّ التَّزْوِيجِ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ، وَالْحُرْمَةَ يُؤْخَذُ فِيهِمَا بِالِاحْتِيَاطِ، فَإِذَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا، وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ عَرَفْنَا أَنَّهُ لَا تُهْمَةَ؛ وَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ، وَالْوَصِيَّةِ لَهَا كَوْنُهَا وَارِثَةً لَهُ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِالْحُكْمِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِيَقِينٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: لَمَّا مَرِضَ، وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا فِي الظَّاهِرِ، فَقَدْ صَارَ مَمْنُوعًا عَنْ الْإِقْرَارِ، وَالْوَصِيَّةِ لَهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَاضَعَهَا عَلَى أَنْ تُقِرَّ بِالطَّلَاقِ فِي صِحَّتِهِ، وَبِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَتُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِتَصْحِيحِ إقْرَارِهِ وَوَصِيَّتِهِ لَهَا، وَلَكِنَّ هَذِهِ التُّهْمَةَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، فَأَمَّا فِي مِقْدَارِ الْمِيرَاثِ لَا تُهْمَةَ؛ فَلِهَذَا جَعَلْنَا لَهَا الْأَقَلَّ، وَأَبْطَلْنَا الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ لِلتُّهْمَةِ كَمَا لَوْ سَأَلَتْهُ فِي مَرَضِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فَفَعَلَ، ثُمَّ أَقَرَّ لَهَا بِدَيْنٍ، أَوْ، أَوْصَى لَهَا بِوَصِيَّةٍ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي الْأَقَلِّ؛ لِتَمَكُّنِ تُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ فِي الزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ لَا فِي حَقِّ الشَّرْعِ، وَحِلُّ التَّزَوُّجِ حَقُّ الشَّرْعِ؛ فَلِهَذَا صُدِّقَا عَلَى ذَلِكَ.
(قَالَ): وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: قَدْ كَانَ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ، وَمَاتَ وَأَنَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ الْوَرَثَةُ: بَلْ طَلَّقَك فِي صِحَّتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَدَّعُونَ عَلَيْهَا سَبَبَ الْحِرْمَانِ، وَهِيَ جَاحِدَةٌ لِذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِهِ لَا يَحْرِمُهَا، فَلَا تَكُونُ هِيَ مُقِرَّةً بِالْحِرْمَانِ كَمَا لَوْ قَالَتْ: طَلَّقَنِي فِي حَالَةِ نَوْمِهِ؛ وَلِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَدَّعُونَ الطَّلَاقَ بِتَارِيخٍ سَابِقٍ، وَهِيَ تُنْكِرُ ذَلِكَ التَّارِيخَ، وَلَوْ أَنْكَرَتْ أَصْلَ الطَّلَاقِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهَا، فَكَذَا إذَا أَنْكَرَتْ التَّارِيخَ.
.
(قَالَ): وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً، فَقَالَتْ: أُعْتِقْتُ قَبْلَ مَوْتِ زَوْجِي، وَصَدَّقَهَا الْمَوْلَى، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ: أُعْتِقَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحِرْمَانِ، وَهُوَ الرِّقُّ كَانَ ظَاهِرًا فِيهَا، فَإِذَا ادَّعَتْ زَوَالَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَأَنْكَرَهُ الْوَرَثَةُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَرَثَةِ؛ وَلِأَنَّهَا تَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا لِعِتْقِهَا؛ فَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِتَصْدِيقِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ لَا يَمْلِكُ إسْنَادَ عِتْقِهَا إلَى حَالِ حَيَاةِ الزَّوْجِ، فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ كَافِرَةً، وَادَّعَتْ الْإِسْلَامَ قَبْلَ مَوْتِ الزَّوْجِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا إلَّا بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي زَوَالَ سَبَبِ الْحِرْمَانِ بَعْدَ مَا عُرِفَ ثُبُوتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ كُفْرُهَا وَلَا رِقُّهَا فَادَّعَتْ الْوَرَثَةُ أَنَّهَا كَافِرَةٌ، أَوْ رَقِيقَةٌ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَقَالَتْ: مَا زِلْتُ عَلَى هَذِهِ حُرَّةً مُسْلِمَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ النِّكَاحُ ظَاهِرٌ، وَالْوَرَثَةُ يَدَّعُونَ عَلَيْهَا سَبَبَ الْحِرْمَانِ، وَهِيَ تُنْكِرُ؛ وَلِأَنَّ مَنْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ، وَلَا يُقَالُ: هَذَا إثْبَاتُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالنِّكَاحِ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا هَذَا دَفْعُ الْمَانِعِ بِالظَّاهِرِ.
(قَالَ): وَإِذَا مَاتَ الزَّوْجُ كَافِرًا فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً تَدَّعِي مِيرَاثَهَا، فَقَالَتْ: أَسْلَمْتُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ: أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهَا جَاءَتْ تَدَّعِي الْمِيرَاثَ وَمَا يَحْرِمُهَا قَائِمٌ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ، وَالْمُسْلِمَةُ لَا تَرِثُ الْكَافِرَ فَمَعَ ظُهُورِ سَبَبِ الْحِرْمَانِ لَا مِيرَاثَ لَهَا إلَّا أَنْ يَثْبُتَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْبَيِّنَةِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الِاشْتِبَاهَ إذَا وَقَعَ فِيمَا سَبَقَ يُحَكَّمُ الْحَالُ، كَمَا إذَا اخْتَلَفَ صَاحِبُ الرَّحَى مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا فِي الْحَالِ يُجْعَلُ جَارِيًا فِيمَا مَضَى، فَإِذَا كَانَتْ هِيَ مُسْلِمَةً فِي الْحَالِ، تُجْعَلُ مُسْلِمَةً فِيمَا مَضَى أَيْضًا، وَالْمُسْلِمَةُ لَا تَرِثُ الْكَافِرَ.
(قَالَ): وَإِذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ شَهْرَيْنِ: قَدْ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ وَكَذَّبَتْهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا، أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا، ثُمَّ مَاتَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَالْمِيرَاثُ لَهَا دُونَ الْأَرْبَعِ، وَالْأُخْتِ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ مِنْ حَقِّهَا، وَهُوَ لَا يُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ حَقِّهَا كَمَا فِي نَفَقَتِهَا وَسُكْنَاهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ بَقَاءِ الْمِيرَاثِ لَهَا بِالنِّكَاحِ أَنْ لَا تَرِثَ أُخْتُهَا، أَوْ أَرْبَعٌ سِوَاهَا بِهَذَا السَّبَبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
(قَالَ): وَإِذَا تَزَوَّجَ ثَلَاثًا سِوَاهَا إحْدَاهُنَّ أُخْتُهَا، فَلَا مِيرَاثَ لِأُخْتِهَا، وَلِلِاثْنَتَيْنِ مَعَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مِيرَاثِهَا، وَلَوْ لَمْ يُخْبِرْ حَتَّى تَزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ كَانَتَا وَارِثَتَيْنِ مَعَهَا بِخِلَافِ أُخْتِهَا، وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ تَطَاوُلِ ذَلِكَ، وَهِيَ تَقُولُ: لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَلَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ، وَمُدَّةُ الْعِدَّةِ قَدْ تَطُولُ وَتَقْصُرُ، وَلَكِنْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ مَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا إذَا طَلَبَتْ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ يَدَّعُونَ عَلَيْهَا مَا لَوْ أَقَرَّتْ بِهِ لَزِمَهَا، فَإِذَا أَنْكَرَتْ حَلَفَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهَا الْوَرَثَةُ الْبَيِّنَةَ بِإِقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِإِقْرَارِهَا كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فِي قَدْرِ مَا تَنْقَضِي فِي مِثْلِهِ الْعِدَّةُ، ثُمَّ قَالَتْ: لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي مِنْ الْأَوَّلِ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا نَفْسَهَا إقْرَارٌ مِنْهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا دَلَالَةً، فَإِنَّ الْمُسْلِمَةَ تُبَاشِرُ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ دُونَ الْبَاطِلِ، وَلَوْ لَمْ تَتَزَوَّجْ وَقَالَتْ: قَدْ آيَسْتُ مِنْ الْحَيْضِ، ثُمَّ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَحُرِمَتْ الْمِيرَاثَ، ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ زَوْجٍ غَيْرِهِ فَنِكَاحُ الْآخَرِ فَاسِدٌ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا فَإِنَّ الْآيِسَةَ لَا تَلِدُ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ مُمْتَدًّا طُهْرُهَا لَا آيِسَةً، وَإِنَّمَا تَزَوَّجَتْ فِي الْعِدَّةِ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، وَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَكَذَلِكَ إنْ حَاضَتْ؛ لِأَنَّ الْآيِسَةَ لَا تَحِيضُ إلَّا أَنَّهَا إنْ ادَّعَتْ الْحَيْضَ لَمْ تُصَدَّقْ عَلَى زَوْجِهَا الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا صَحِيحٌ فِي الظَّاهِرِ فَلَا تُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهَا الْبُطْلَانَ، وَإِنْ صَدَّقَهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يُصَدَّقَا عَلَى وَرَثَةِ الْأَوَّلِ مَا لَمْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ عَلَيْهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِمْ إيَّاهَا بِمَا تَقُولُ.
.
(قَالَ): وَإِذَا كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الْمَرَضِ مُسْتَحَاضَةً، وَكَانَ حَيْضُهَا مُخْتَلِفًا فَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهَا تَأْخُذُ بِالِاحْتِيَاطِ، فَفِي الصَّلَاةِ وَالرَّجْعَةِ تَأْخُذُ بِالْأَقَلِّ، وَفِي الْحِلِّ لِلْأَزْوَاجِ تَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ، وَفِي الْمِيرَاثِ تَأْخُذُ بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّ الْمَالَ بِالشَّكِّ لَا يُسْتَوْجَبُ، وَبَقَاءُ الْعِدَّةِ عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ شَرْطٌ لِمِيرَاثِهَا فَمَا لَمْ يُتَيَقَّنْ بِهَذَا الشَّرْطِ لَمْ تَرِثْ، وَإِنْ كَانَ حَيْضُهَا مَعْلُومًا، وَانْقَطَعَ الدَّمُ عَنْهَا فِي آخِرِ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ، فَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةً فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَلَهَا الْمِيرَاثُ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا بَاقِيَةٌ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ، وَكَذَلِكَ إنْ اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَ عُضْوٌ؛ لِأَنَّ عِدَّتَهَا لَا تَنْقَضِي مَعَ بَقَاءِ عُضْوٍ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي بَابِ الرَّجْعَةِ.
(قَالَ): وَإِذَا بَقِيَ الزَّوْجُ فِي مَرَضِهِ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَهَا الْمِيرَاثُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي النَّفَقَةِ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَرُدُّ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ هَذَا مِنْ حَبَلٍ حَادِثٍ مِنْ زَوْجٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى الصَّلَاحِ، وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ يَتَبَيَّنُ بِهَا انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تُجْعَلُ مُعْتَدَّةً إلَى أَنْ وَلَدَتْ، فَلِهَذَا لَا تَرُدُّ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ فَكَانَ لَهَا الْمِيرَاثُ.
(قَالَ): وَإِذَا طَلَّقَهَا فِي مَرَضِهِ، ثُمَّ قُتِلَ، أَوْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَرَضِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَكَانَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَقُولُ: لَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ، وَلَمَّا مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَإِنَّ حَقَّهَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِمَالِهِ يَوْمِئِذٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَدْ اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِمَرَضِهِ حِينَ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى مَاتَ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَوْتِ سَبَبَانِ فَلَا يُتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّ مَرَضَهُ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَأَنَّ حَقَّهَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي مَاله، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إرْثَهَا مِنْهُ بِحُكْمِ الْفِرَارِ، وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ هُنَا.
.
(قَالَ): وَإِذَا قُرِّبَ الرَّجُلُ؛ لِيُقْتَلَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرِيضَ مُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَاكِ، فَكُلُّ سَبَبٍ يَعْتَرِضُ مِمَّا يَكُونُ الْغَالِبُ فِيهِ الْهَلَاكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ، وَمَا يَكُونُ الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةَ، وَقَدْ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلَاكُ أَيْضًا فَلَا يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ، فَاَلَّذِي قُرِّبَ؛ لِيُقْتَلَ فِي قِصَاصٍ، أَوْ رَجْمٍ فَالظَّاهِرُ فِيهِ هُوَ الْهَلَاكُ، وَالسَّلَامَةُ بَعْدَ هَذَا نَادِرٌ، فَأَمَّا الْمَحْبُوسُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ؛ لِيُقْتَلَ، فَالْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ، فَإِنَّهُ يَتَخَلَّصُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْحِيلَةِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَمْ يَكُنْ فَارًّا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلْعَدُوِّ، فَمَا دَامَ فِي الصَّفِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ، فَإِذَا خَرَجَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ يُبَارِزُ قِرْنَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ، وَالْمَحْصُورُ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ حَالِهِ السَّلَامَةُ، فَإِنْ خَرَجَ يُقَاتِلُ، فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، وَرَاكِبُ السَّفِينَةِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ فَإِنْ تَلَاطَمَتْ الْأَمْوَاجُ، وَخِيفَ الْغَرَقُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَالْمَرْأَةُ الْحَامِلُ كَالصَّحِيحَةِ، فَإِنْ أَخَذَهَا الطَّلْقُ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضَةِ فَإِذَا قَتَلَتْهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ مِيرَاثِهَا بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ كَبَقَاءِ الْمِيرَاثِ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ وَإِنْ قَتَلَتْهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَمْ تَرِثْهُ لِلْأَثَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «لَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ» بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ، وَالْمُقْعَدُ، وَالْمَرِيضُ، وَالْمَفْلُوجُ مَادَامَ يَزْدَادُ مَا بِهِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ، وَإِنْ صَارَ قَدِيمًا لَا يَزْدَادُ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَادَامَ يَزْدَادُ عِلَّتُهُ فَالْغَالِبُ أَنَّ آخِرَهُ الْمَوْتُ، وَإِذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ، فَلَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ وَصَاحِبُ جُرْحٍ، أَوْ قُرْحَةٍ، أَوْ وَجَعٍ لَمْ يُصَيِّرْهُ عَلَى الْفِرَاشِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ.
وَحَدُّ الْمَرَضِ الَّذِي يَكُون بِهِ فَارًّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ قَدْ أَضْنَاهُ الْمَرَضُ، فَأَمَّا الَّذِي يَجِيءُ وَيَذْهَبُ فِي حَوَائِجِهِ، فَلَا يَكُونُ فَارًّا، وَإِنْ كَانَ يَشْتَكِي وَيُحَمُّ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الْعَادَةِ قَلَّ مَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ مَرَضٍ فِي بَاطِنِهِ، وَلَا يُجْعَلُ بِذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ، بَلْ الْمَرِيضُ إنَّمَا يُفَارِقُ الصَّحِيحَ فِي أَنَّ الصَّحِيحَ يَكُونُ فِي السُّوقِ، وَيَقُومُ بِحَوَائِجِهِ، وَالْمَرِيضُ يَكُونُ صَاحِبَ فِرَاشٍ فِي بَيْتِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ السَّبَبُ الظَّاهِرُ، وَيُقَامُ ذَلِكَ مَقَامَ الْمَعْنَى الْخَفِيِّ تَيْسِيرًا، وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، فَقَالَ: إذَا كَانَ بِحَالٍ يَخْطُو ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِأَحَدٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ فِي التَّصَرُّفَاتِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ فَالْمَرِيضُ جِدًّا لَا يَعْجَزَ عَنْ هَذَا الْقَدْرِ إذَا تَكَلَّفَ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ مَا قُلْنَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ فِرَاشٍ.
وَمَنْ قُرِّبَ؛ لِيُقْتَلَ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، أَوْ حُبِسَ، ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ إذَا صَحَّ بَعْدَ مَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا كُلَّهُ، فَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ، وَالْمَآبُ.